بعث زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قدم فيها ما وصفه بـ”مقترح موسع” لحل النزاع.
اللافت في رسالة غالي ليس الجدة، بل التأكيد على الثوابت. فالمقترح، الذي حمل عنوان “مقترح جبهة البوليساريو من أجل حل سياسي مقبول من الطرفين”، يرفض بشكل قاطع ما أسماه “الحلول المفروضة من جانب واحد”، في إشارة واضحة إلى مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب وتحظى بدعم دولي واسع. وبينما حاول غالي تلميع موقفه باستخدام مصطلحات مثل “تقاسم فاتورة السلام”، مؤذناً بليونة ظاهرية، فإن جوهر الرسالة كان تأكيداً على المطلب التاريخي: تقرير المصير والاستقلال.
هذا الموقف يعيد إنتاج الخط التقليدي للجبهة المدعوم من الجزائر، ويضع أي مفاوضات مستقبلية أمام اختبار حقيقي. فبعد عقود من الجمود، يبدو أن البوليساريو لا تزال تمسك بورقة الاستقلال كخيار وحيد، متجاهلة التحولات الإقليمية والدولية التي قد تجعل هذا المطلب صعب المنال في المدى المنظور.
في الجهة المقابلة، يمثل الموقف المغربي مرونة مختلفة. فالمملكة لا تقدم الحكم الذاتي كحل جامد، بل كشكل من أشكال تقرير المصير، مفسحةً المجال أمام صيغ وسيطة قد تتخذ شكل “كونفيدرالية” أو غيرها من الترتيبات التي تحافظ على ماء الوجه للجميع. هذه المرونة التكتيكية تضع البوليساريو في موقف دفاعي، خاصة في ظل الدعم الدولي المتصاعد للمبادرة المغربية.
المشهد اليوم يشير إلى فجوة كبيرة بين الطرفين، فبينما تتحدث البوليساريو عن استقلال، يتحدث المغرب عن حكم ذاتي في إطار السيادة الوطنية. هذا التباين لا يعكس اختلافاً في الرؤى السياسية فحسب، بل يعكس أيضاً عمق الهوة التي قد تحتاج إلى أكثر من مجرد مقترحات “موسعة” لردمها.
السؤال الذي تطرحه هذه التطورات: هل تستطيع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، تحويل هذه المقترحات إلى حوار حقيقي يفضي إلى حل؟ أم أن النزاع مقبل على نصف قرن جديد من الجمود، حيث تتصارع الخطابات وتتقادم الحلول، بينما تبقى قضية الصحراء رهينة الاستقطاب الإقليمي والجمود السياسي؟
في النهاية، يبدو أن “فاتورة السلام” التي تحدث عنها غالي ستكون باهظة إذا استمر الجمود، وثمنها سيدفعه شعوب المنطقة بأكملها، في وقتٍ تحتاج فيه شمال إفريقيا إلى كل طاقاتها لمواجهة تحديات التنمية والأمن والاستقرار.