يرى عبد اللطيف حجازي، رئيس التحرير التنفيذي لمكتب المستقبل، أن تركيا اتخذت في الآونة الأخيرة إجراءات تصعيدية ضد إسرائيل، على المستويات السياسية والاقتصادية والدعائية، على خلفية الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وهي الإجراءات التي جاءت بعد مرور سبعة أشهر على هذه الحرب.
وأبرز المتخصص في الشؤون التركية، في مقال نشر على منصة المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بعنوان “لماذا صعّدت تركيا إجراءاتها ضد إسرائيل في الفترة الأخيرة؟”، أن أنقرة اكتفت في بداية العدوان على غزة بإدانة التصعيد الإسرائيلي، مع إطلاق التصريحات والبيانات المُنددة بالإجراءات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، لافتا إلى أن “تركيا وجدت تزايد انتقادات الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لإسرائيل بسبب استمرار حربها على غزة وتزايد الضغوط الدولية عليها لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، فرصة لاتخاذ إجراءات تصعيدية ضد تل أبيب، دون إغضاب حلفائها الغربيين”.
وعزا حجازي عدم اتخاذ تركيا إجراءات ضد إسرائيل في البداية إلى خشيتها من تدهور علاقاتها مع الدول الأوروبية وواشنطن، التي كانت داعمة بشكل مُطلق لتل أبيب في بداية الحرب، وهي العلاقات التي عملت أنقرة على ترميمها خلال السنوات الأخيرة بعد أن تدهورت في السابق بسبب عدد من الملفات الخلافية، على رأسها تقارب أنقرة مع موسكو، وعدم انضمامها للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا، وعرقلتها انضمام فنلندا والسويد لحلف “الناتو” لبعض الوقت قبل أن توافق على ذلك لاحقاً، فضلاً عن توتر علاقاتها مع اليونان، مشيرا إلى أن “عودة التوتر مرة أخرى في العلاقات التركية الغربية من شأنه التأثير سلباً على الاقتصاد التركي الذي يعاني من تضخم حاد وانخفاض في قيمة العملة المحلية”.
ولفت رئيس التحرير التنفيذي لمكتب المستقبل الانتباه إلى أن “الموقف التركي تجاه إسرائيل اتخذ منحى تصعيدياً مؤخراً، وهو التغير الذي يرجع إلى مجموعة من العوامل، بعضها يرتبط بالداخل التركي ونتائج الانتخابات البلدية التي أُجريت في 31 مارس 2024، والبعض الآخر يتعلق بالتفاعلات المرتبطة بتطورات حرب غزة ورغبة أنقرة في أداء دور أكبر في القطاع في اليوم التالي للحرب”.
نص المقال:
اتخذت تركيا في الآونة الأخيرة إجراءات تصعيدية ضد إسرائيل، على المستويات السياسية والاقتصادية والدعائية، على خلفية الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وهي الإجراءات التي جاءت بعد مرور سبعة أشهر على هذه الحرب.
ففي البداية، اكتفت أنقرة بإدانة التصعيد الإسرائيلي، مع إطلاق التصريحات والبيانات المُنددة بالإجراءات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، علاوة على التصعيد الكلامي المتبادل بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مما أدى إلى تبادل كل من أنقرة وتل أبيب سحب الدبلوماسيين.
بيد أن الموقف التركي تجاه إسرائيل اتخذ منحى تصعيدياً مؤخراً، وهو التغير الذي يرجع إلى مجموعة من العوامل، بعضها يرتبط بالداخل التركي ونتائج الانتخابات البلدية التي أُجريت في 31 مارس 2024، والبعض الآخر يتعلق بالتفاعلات المرتبطة بتطورات حرب غزة ورغبة أنقرة في أداء دور أكبر في القطاع في اليوم التالي للحرب.
مظاهر التصعيد
اتخذت تركيا إجراءات عدة ضد إسرائيل، صاحبتها تصريحات تصعيدية للمسؤولين الأتراك على مختلف المستويات، وذلك على النحو التالي:
1- الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل:
أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 1 ماي 2024، أن أنقرة قررت الانضمام إلى الدعوى المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة. وفي السياق ذاته، انتقد وزير العدل التركي، يلماز تونتش، المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما اعتبره “فشل مدعيها العام في إكمال التحقيق وفتح القضية ضد الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في فلسطين”، وشدد على أن “الجناة واضحون ويجب فتح تحقيق فوري واتخاذ الإجراءات الاحترازية”، مضيفاً أن “التأخير في القضية يشجع الإسرائيليين”.
2- قطع العلاقات الاقتصادية:
أعلنت وزارة التجارة التركية، في 2 ماي الجاري، وقف جميع عمليات التصدير والاستيراد المرتبطة بإسرائيل، بما يشمل جميع المنتجات. وأكدت الوزارة أن “تركيا ستستمر في تنفيذ هذه التدابير بشكل صارم وحاسم حتى تسمح الحكومة الإسرائيلية بتدفق غير متقطع وكافٍ للمساعدات الإنسانية إلى غزة”. وجاء هذا القرار بعد أن قيّدت تركيا، بدءاً من 9 إبريل الماضي، تصدير 54 منتجاً إلى إسرائيل، في ظل ما اعتبرته الوزارة “استمرار المذبحة والكارثة الإنسانية والدمار وعدم استجابة الجانب الإسرائيلي للجهود الدولية لوقف إطلاق النار ومنعها دخول المساعدات الإنسانية”.
وتعليقاً على هذا القرار، قال الرئيس أردوغان، في 3 ماي الجاري، إن “حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل كان يصل إلى 9.5 مليارات دولار، لكننا تجاهلناه وأغلقنا الباب”، مضيفاً: “لقد قتلت إسرائيل بوحشية ما بين 40 ألفا إلى 45 ألف فلسطيني حتى الآن. ونحن باعتبارنا مسلمين لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي حيال ما يحدث. لقد اتخذنا الخطوات الواجب علينا اتخاذها”.
3- استضافة المؤتمر الخامس لرابطة “برلمانيون لأجل القدس”:
عُقد في مدينة إسطنبول، في 26 أبريل الماضي، لمدة ثلاثة أيام، المؤتمر الخامس لرابطة “برلمانيون لأجل القدس”، تحت عنوان “الحرية والاستقلال لفلسطين”، بحضور أردوغان، ورئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، ومشاركة وفود برلمانية من 80 دولة. ونص البيان الختامي للمؤتمر على عدد من المبادرات والإجراءات الرامية لدعم القضية الفلسطينية، من بينها تأسيس مبادرة قانونية دولية يساندها البرلمانيون والبرلمانات، تتولى تنسيق جهود القانونيين العاملين على ملاحقة مجرمي “حرب الإبادة الجماعية” في غزة، ودعم حركة المقاطعة العالمية لإسرائيل وداعميها. وفي كلمته في المؤتمر، شن أردوغان هجوماً حاداً على إسرائيل ونتنياهو، وكذلك الدول الغربية التي تُقدم الدعم العسكري والسياسي لتل أبيب في حربها على غزة.
4- تدشين “أسطول الحرية 2”:
يعتزم عدد من منظمات المجتمع المدني المنضوية تحت “تحالف أسطول الحرية الدولي”، على رأسها هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) التركية، إيصال آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق البحر، انطلاقاً من ميناء توزلا التركي الواقع على بحر مرمرة، لكسر الحصار المفروض على القطاع. ويتكون الأسطول من ثلاث سفن على الأقل، مُحملة بخمسة آلاف طن من المواد الغذائية ومياه الشرب والمساعدات الطبية، ومئات الناشطين والأطباء والعاملين في مجال الإغاثة من أكثر من 30 دولة، وينتظر الأسطول الضوء الأخضر من السلطات التركية للإبحار.
ويعيد أسطول الحرية الجديد للأذهان ذكرى حادثة “أسطول الحرية” في ماي 2010، الذي نظمته أيضاً هيئة الإغاثة الإنسانية وانطلق من تركيا، عندما اعتدت القوات الإسرائيلية على إحدى سفن الأسطول “مافي مرمرة”، ما أسفر حينها عن مقتل عشرة أتراك كانوا على متنها؛ الأمر الذي تسبب في قطع العلاقات التركية الإسرائيلية. وثمة مخاوف من تكرار هذه الحادثة مع الأسطول الجديد حال قررت السلطات الإسرائيلية اعتراضه في البحر لمنعه من الوصول إلى غزة.
جدير بالذكر أنه كان من المُقرر أن ينطلق الأسطول من تركيا يوم 26 أبريل الماضي، غير أنه تم تأجيل ذلك أكثر من مرة بسبب تأخر الإجراءات في الميناء، إلا أن البعض يُرجع التأخير إلى ضغوط دولية على أنقرة. كما أن سحب جمهورية غينيا بيساو علمها من اثنتين من سفن الأسطول – وهو ما أرجعته اللجنة المنظمة إلى ضغوط إسرائيلية- أدى إلى تعقد مهمة إبحار الأسطول في القريب العاجل.
دوافع أنقرة
هناك مجموعة من الأسباب التي ربما تفسر التصعيد التركي ضد إسرائيل في الفترة الأخيرة، منها الآتي:
1- خسارة “العدالة والتنمية” الانتخابات البلدية:
خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية، التي أُجريت في 31 مارس الماضي؛ إذ فقد الحزب 15 بلدية لصالح المعارضة من أصل 39 بلدية كان قد فاز بها في انتخابات عام 2019، وتراجعت نسب التصويت له إلى 35.5% مقارنةً بـ44.3% في الانتخابات السابقة. وربما كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه الخسارة هو عدم استجابة حكومة أردوغان لمطالب الشارع التركي منذ بداية الحرب على غزة باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.
ونظمت بعض الأحزاب والمنظمات وقفات احتجاجية للضغط على الحكومة التركية في هذا الصدد، كان من أبرزها اعتراض بعض الأتراك، في مطلع مارس الماضي، طريق وزير العمل، إشيق هان، للمطالبة بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل وإغلاق الموانئ أمام سفنها. وتزايد الغضب الشعبي التركي من حكومته بعد أن نشرت وسائل إعلام محلية، في 26 مارس الماضي، أي قبل نحو خمسة أيام من الانتخابات البلدية، بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء التركية تُظهر استمرار الصادرات التركية إلى إسرائيل، بما في ذلك العسكرية؛ إذ صدّرت أنقرة إلى تل أبيب، في يناير وفبراير 2024، ذخائر وبارودا وقطع الأسلحة ومواد متفجرة بقيمة 150 ألف دولار.
وعلى الرغم من مسارعة الحكومة التركية لنفي تلك البيانات، مؤكدة انخفاض التجارة بين أنقرة وتل أبيب بنسبة تزيد على 50% منذ بداية الحرب على غزة، لم يُقنع ذلك الشارع التركي. ونجحت أحزاب المعارضة، خاصةً المحافظة منها، وعلى رأسها حزب الرفاه الجديد، في استغلال ذلك للخصم من أصوات حزب العدالة والتنمية؛ إذ اتهمت حكومة أردوغان بدعم إسرائيل والتقاعس عما سمته “نُصرة غزة”، وهو ما انعكس ربما في نتائج الانتخابات؛ إذ اتجه المحافظون الغاضبون من موقف حكومة العدالة والتنمية إما للتصويت لصالح حزب الرفاه الجديد، الذي حصد حوالي 6% من الأصوات وفاز برئاسة بلديتين، للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 2018، أو مقاطعة الانتخابات، وهو ما بدا في تراجع نسبة مشاركة الناخبين إلى نحو 78.6% في انتخابات البلديات 2024 مقارنةً بـ84.7% في انتخابات عام 2019.
وعليه، فإن تصعيد أنقرة إجراءاتها ضد تل أبيب قد يأتي استجابة لرسائل الناخبين الأتراك، ورغبة حزب العدالة والتنمية في إعادة كسب الأصوات الانتخابية التي خسرها استعداداً لأية استحقاقات انتخابية مقبلة.
2- تراجع الدعم الغربي لإسرائيل:
وجدت أنقرة في تزايد انتقادات الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لإسرائيل بسبب استمرار حربها على غزة وتزايد الضغوط الدولية عليها لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، فرصة لاتخاذ إجراءات تصعيدية ضد تل أبيب، دون إغضاب حلفائها الغربيين. فقد أرجع البعض عدم اتخاذ تركيا إجراءات ضد إسرائيل في البداية إلى خشيتها من تدهور علاقاتها مع الدول الأوروبية وواشنطن، التي كانت داعمة بشكل مُطلق لتل أبيب في بداية الحرب، وهي العلاقات التي عملت أنقرة على ترميمها خلال السنوات الأخيرة بعد أن تدهورت في السابق بسبب عدد من الملفات الخلافية، على رأسها تقارب أنقرة مع موسكو، وعدم انضمامها للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا، وعرقلتها لانضمام فنلندا والسويد لحلف “الناتو” لبعض الوقت قبل أن توافق على ذلك لاحقاً، فضلاً عن توتر علاقاتها مع اليونان. وكان من شأن عودة التوتر مرة أخرى في العلاقات التركية الغربية التأثير سلباً على الاقتصاد التركي الذي يعاني من تضخم حاد وانخفاض في قيمة العملة المحلية.
3- التطلع إلى دور أكبر في مستقبل غزة:
تسعى تركيا لأداء دور مركزي في مستقبل قطاع غزة والتأثير في مجريات الأمور هناك، وذلك عبر طرح نفسها كوسيط في مفاوضات إنهاء الحرب، وربما استضافة مقر مكتب حركة حماس، في ظل ما يُثار عن وجود ضغوط أمريكية على قطر لإغلاق مكتب الحركة في الدوحة، وإعلان الأخيرة، في 18 أبريل الماضي، إعادة تقييم وساطتها بين إسرائيل وحماس، بسبب “إساءة استخدام هذه الوساطة لأهداف سياسية ضيقة”. وكانت تقارير إسرائيلية قد ذكرت، في 24 أبريل الماضي، أن تركيا اقترحت، في أول شهرين من حرب غزة، صياغة خطة لتسوية أمنية تشمل وضع قوات مشتركة بالقطاع في اليوم التالي للحرب، وأن أنقرة عرضت خطتها على الولايات المتحدة وإسرائيل لكنها لم تلق قبولاً.
في هذا السياق، أجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زيارة إلى الدوحة، في 17 أبريل الماضي، حيث التقى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أعلن فيدان أن هناك آلية تنسيق مشتركة بين قطر وتركيا في الملف الفلسطيني على الصعيد السياسي والمؤسساتي، لا سيما فيما يتعلق بجهود وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية. وأشار فيدان إلى أن زيارته إلى الدوحة شكّلت فرصة لتقييم الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها مستقبلاً لدعم القضية الفلسطينية. كما التقى فيدان، خلال هذه الزيارة، وفداً من قادة حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، وتم بحث التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالحرب على غزة، والجهود المبذولة لوقف إطلاق النار.
وفي 20 أبريل الماضي، استقبل الرئيس أردوغان، في إسطنبول، إسماعيل هنية، وهي أول زيارة لهنية إلى تركيا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة؛ إذ بحث الجانبان وقف إطلاق النار في غزة وتوحيد الصف الفلسطيني. وبالتزامن، استقبل وزير الخارجية التركي، فيدان، نظيره المصري، سامح شكري، في إسطنبول، وكان من بين الملفات التي تم بحثها حرب غزة؛ إذ تم الاتفاق على توثيق التعاون لإنهاء الحرب وتنفيذ صيغة حل الدولتين من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة.
كل هذه التحركات أثارت مزيداً من التكهنات إنْ كانت تركيا ستصبح المقر الجديد لمكتب حماس، وتنخرط في جهود الوساطة الجارية لإنهاء الحرب. وتعليقاً على الأنباء المتداولة حول نقل حماس مكتبها من قطر إلى تركيا، قال فيدان، في مقابلة يوم 5 ماي الجاري، “إن الأمر غير مطروح في الوقت الحالي، وإنهم على تواصل مع القطريين حالياً، والأولوية وقف إطلاق النار في غزة ودخول المساعدات الإنسانية وتحفيز المنظومة الدولية لدعم الحل القائم على أساس الدولتين”.
ختاماً، تستهدف الإجراءات التصعيدية التركية ضد إسرائيل مؤخراً الداخل التركي أولاً، وتحديداً القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، التي عبّرت عن غضبها في الانتخابات البلدية من موقف حكومة بلادها من حرب غزة. ويأتي الخارج ثانياً؛ إذ تسعى أنقرة لأداء دور مؤثر في القضية الفلسطينية بصفة عامة ومستقبل قطاع غزة بعد الحرب بصفة خاصة، وقطع الطريق على أية محاولات لاستبعادها أو تحجيم دورها هناك، وذلك عبر استعادة صورتها في الإقليم كمدافع عن القضية الفلسطينية، وهي الصورة التي ربما اكتسبتها أنقرة عقب حادثة “دافوس” الشهيرة عام 2009، بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز، ثم حادثة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة المساعدات “مافي مرمرة” عام 2010، التي أعقبها قطع تركيا علاقاتها مع إسرائيل.
وعلى الرغم من أن البعض يستبعد قدرة أنقرة على أداء دور الوسيط بين تل أبيب وحماس، في ظل تدهور علاقاتها مع إسرائيل، فإن تركيا تراهن على فرض نفسها كفاعل رئيسي لديه القدرة على التأثير في حماس، لا سيما أمام الإدارة الأمريكية التي ترغب في إنهاء الحرب الحالية قبل الانتخابات الرئاسية المُرتقبة في نونبر 2024، بعد امتداد تأثيرات الأوضاع الإنسانية المأساوية في غزة إلى الداخل الأمريكي وتزايد الضغوط على إدارة الرئيس جو بايدن من أجل إقناع إسرائيل بإنهاء الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.