رؤية متفردة، وموهبة لا تخطئها العين، وشجاعة استثنائية، تقدم الفنانة التشكيلية ملاك العراقي نظرة جديدة للتثلت الصبغي، تنبض بالأصالة والمشاعر، مما يجعل من الاختلاف ميزة حقيقية.
من خلال لوحاتها، تتحدى هذه الفنانة الشابة، الحاملة للتثلث الصبغي، الأحكام المسبقة وتدعو إلى تأمل عميق في قبول الاختلافات والاندماج، محولة ما قد يعتبر عائقا إلى مصدر إلهام لا ينضب. منذ سن الرابعة، تميزت ملاك بحساسية فنية وقدرة على التحكم في الألوان والأشكال، لتبدع أعمالا تشهد على عالم داخلي غني بالألوان وبدون حدود، متجاوزة التوقعات المعتادة بالنسبة لطفلة في عمرها.
خلف ابتسامتها الخجولة وعينيها اللامعتين، تكمن في الفتاة البالغة من العمر 11 عاما إرادة قوية لتجاوز الاختلافات، وتظهر للمجتمع أن الأطفال الحاملين للتثلث الصبغي لا يمكن تسييجهم بحالتهم الجينية، بل بإمكاناتهم وأحلامهم ومواهبهم. يحفل عالم هذه الفنانة التشكيلية الواعدة بالبراءة والفرح الذي يتجلى في اختيارها للألوان والأشكال المستخدمة في أعمالها. فلوحاتها ليست مجرد انعكاس لحساسيتها الفنية، بل هي أيضا مرآة لتجربتها ونافذة على عالمها الغني بالمشاعر. وفي هذا السياق، قالت لوكالة المغرب العربي للأنباء إنها تميل الى استخدام الألوان الزاهية مثل الأحمر والبرتقالي والبنفسجي، مشيرة إلى أن لوحا-تها تعبر عن أسرتها والحب الذي تكنه لهم، في حين أن لوحات أخرى تستوحي شخصيات من الرسوم المتحركة المفضلة لديها. غالبا ما تعرض أعمالها في سياقات متنوعة، بدءا من المعارض الفنية إلى المدارس والمؤسسات. وكل معرض يصبح منصة حقيقية للتوعية والتعليم، مما يتيح للزوار فرصة ثمينة لإعادة اكتشاف التثلث الصبغي من منظور جديد وفتح الحوار حول تصورات وقبول الاختلافات. بفضل الدعم الموصول من عائلتها، تمكنت الفنانة الناشئة من التألق في بيئة حيث يستقبل كل إبداع فني بحماس وتشجيع. “من خلال الفن، فهمت ما تشعر به ملاك وما ترغب في التعبير عنه من مشاعر. هي إنسانة كاملة، وكذلك روح موهوبة وخلاقة تتحكم في الألوان والخامات ببراعة كيميائي في مختبره”، تقول والدتها بنبرة طافحة بالفخر. وتضيف “كل لوحة من لوحاتها التجريدية تحكي قصة مختلفة. تستلهم ملاك أعمالها من مشاعرها تجاه عائلتها وصديقاتها وبيئتها ومجتمعها. لوحاتها قوية وعميقة وناطقة”. وتجد ملاك في هذا الجو الأسري الدافئ، القوة لتأكيد اختلافها وتثمينه، خاصة من خلال الفن. بالإضافة إلى ذلك، تغتنم هذه الفتاة النشيطة كل فرصة لاستكشاف شغف جديد، مثل التصوير الفوتوغرافي، والتصميم، والتزلج، وركوب الخيل، والطبخ، بهدف بناء روابط مع العالم من حولها. وتعرض ملاك، إلى غاية 31 أكتوبر في فيلا الفنون بالرباط، العديد من أعمالها، مما يشكل فرصة لعشاق الفن لاستكشاف عالمها الفني المليء بالألوان والغني بالمشاعر. لوحاتها حيث تتجاور الألوان الزاهية مع الظلال الأكثر رقة، تكشف عن عالم يبدو فيه كل لون وكل خط وكأنه ينقل رسالة أمل واحتضان. يأتي معرضها “عالمي المدهش” في إطار سلسلة من المعارض الفنية بعنوان “العالم المدهش لكنوز”، التي أطلقتها مؤسسة المدى بالشراكة مع (الجمعية المغربية كنوز 21) لتعزيز المهارات الفردية للفنانين الشباب من حاملي التثلث الصبغي. بضربات فرشاتها، أنضجت هذه الطفلة هويتها كفنانة بكل معنى الكلمة، ولكن الأهم من ذلك، أصبحت مصدر إلهام للعديد من العائلات والأطفال من حاملي التثلث الصبغي. إنها الدليل على أن الجمال الحقيقي للعالم يكمن في التنوع.