رغم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية الواضحة بين حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية، يُبرز المشهد السياسي المغربي أن مبدأ التحالفات لا يقوم على الثوابت المطلقة، بل يعتمد بشكل كبير على موازين القوى والمصالح الظرفية.
يُعرف حزب التجمع الوطني للأحرار بقربه من دائرة الأعمال ورعاته، حيث يركز في استراتيجيته على حماية مصالح الفاعلين الاقتصاديين والمشاركة في مشاريع تنموية ذات طابع اقتصادي، على حساب السياسات الاجتماعية أو الإصلاحية. لذا، فإن خيارات التحالفات تتغير وفقًا للمواقف والمصالح التي تفرزها المرحلة، وليس استنادًا إلى مبادئ ثابتة.
وفي هذا السياق، فإن احتمالية تشكيل تحالف مستقبلي بين الأحرار والعدالة والتنمية ليست مستحيلة، إذ تظل الحسابات الواقعية العامل الأهم في صناعة المواقف السياسية. ففي ظل تهديد مصالح الحزب على مستويات التمثيل أو النفوذ داخل المؤسسات، لن يتردد في إعادة ترتيب أوراقه وبناء تحالفات جديدة، حتى مع خصومه السابقين.
لقد أظهر حزب الأحرار خلال العشرين سنة الماضية مرونة عالية في التعامل مع المتغيرات من خلال تحالفاته مع أحزاب مثل الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي، بالإضافة إلى مشاركته في حكومات قادها حزب العدالة والتنمية بين 2012 و2021، رغم التوترات التي نشأت لاحقًا.
أما حزب العدالة والتنمية، على الرغم من تراجعه الانتخابي الأخير، فإنه لا يزال يُعد لاعبًا رئيسيًا في الساحة السياسية، بفضل تنظيمه المتين وامتداده الجماهيري، مما يجعله طرفًا مرشحًا لأي حزب يسعى لتوسيع قاعدته أو لضمان التوازن داخل المجالس والهيئات التمثيلية، بما في ذلك الجماعات المحلية.
وفي الختام، تؤكد التطورات أن السياسة ليست دائمًا حقلًا للمبادئ الثابتة، بل ميدان للمصالح المتغيرة. ومن هنا، تبقى احتمالية تحالف الأحرار مع العدالة والتنمية قائمة، خاصة إذا اقتضت مصلحة الطرفين ذلك، مع مزيد من مرونة الأحرار في ممارسة سياساته وفقًا لمصالحه ومصالح داعميه، وتغير الصيغ والعناوين بما يتلاءم مع السياق السياسي المستجد .