جريدة

الحريديم: “طالبان إسرائيل” بين التشدد الديني والرفض الصهيوني

ميديا أونكيت 24

في الوقت الذي يُصور فيه التشدد الديني على أنه ظاهرة حصرية على بعض الحركات الإسلامية، يبرز تاريخ المجتمعات اليهودية والمسيحية نماذج لا تقل صرامة، بل قد تفوق في تطرفها الصورة النمطية عن الإسلام. ومن أبرز هذه النماذج طائفة “الحريديم” اليهودية، التي أثارت الجدل عالميًا بتشددها الديني ورفضها للحداثة، حتى وصفتها صحيفة إسرائيلية بـ”طالبان إسرائيل”.

من هم الحريديم؟
كلمة “حريديم” تعني “الخائفون من الله”، وهم يهود أرثوذكس متشددون يتبعون تعاليم الهالاخاه (الشريعة اليهودية) بحذافيرها، ويركزون على دراسة التلمود، معتبرين أنفسهم الحراس الحقيقيين للديانة اليهودية. يعيش أغلبهم في القدس وتل أبيب ونيويورك، ويمثلون حوالي 10% من سكان إسرائيل، مع معدل مواليد مرتفع يجعلهم القوة الديموغرافية الأسرع نموًا.

رفض الصهيونية والعلمانية
على عكس الصورة الشائعة، فإن الحريديم يعارضون الصهيونية وإقامة دولة إسرائيل، مؤمنين بأن الدولة اليهودية “الحقيقية” لن تقوم إلا بقدوم المسيح المخلص. كما يرفضون العلمانية الإسرائيلية، ووصفوا العلمانيين بـ”القمامة”، داعين إياهم إلى مغادرة البلاد. بل إنهم يتجنبون استخدام اللغة العبرية في حياتهم اليومية، باعتبارها لغة مقدسة، مستبدلين إياها بالـ”يديشية”.

تشدد في المظهر والمرأة
يتميز الحريديم بمظهرهم التقليدي: معاطف سوداء وقبعات للرجال، و”فرومكا” (برقع أسود) للنساء، مع حظر الاختلاط في وسائل النقل العام. وفي عام 2015، أثاروا ضجة عندما طمسوا صور النساء في الصحف، بما في ذلك صور وزيرات في الحكومة الإسرائيلية، بل ورفض وزير صحة إسرائيلي مصافحة نظيرته الفرنسية بسبب تعاليم الطائفة.

أصدر حاخامات الحريديم فتاوى تلزم النساء بإخفاء أجسادهن كليًا، وتمنعهن من التحدث بالهاتف في الأماكن العامة، مع إعفائهن من الخدمة العسكرية. كما يُحظر على نسائهم تولي أي دور سياسي أو حتى التعليم على أيدي رجال، مما يجعل حياتهن محصورة في الإطار المنزلي.

تأثير سياسي محدود رغم النمو الديموغرافي
رغم قوتهم العددية، فإن الانقسامات بين حاخامات الحريديم تحد من تأثيرهم السياسي. ومع ذلك، تبقى أحزابهم خاضعة تمامًا للقيادات الدينية، دون أي ديمقراطية داخلية. ويرى مراقبون أن نموهم السكاني قد يغير الخريطة السياسية الإسرائيلية مستقبلًا، خاصة مع تصاعد المطالبات بفرض شرائعهم على المجتمع.

 التشدد ليس حكرًا على دين
قصة الحريديم تذكرنا بأن التشدد الديني ظاهرة إنسانية غير محصورة في دين أو ثقافة واحدة. فكما يوجد متطرفون مسلمون، يوجد أيضًا يهود ومسيحيون متشددون يسعون إلى فرض رؤيتهم الدينية على المجتمع. والسؤال الأكبر هل يمكن لدولة “علمانية” مثل إسرائيل أن تتعايش مع هذا التيار المتطرف الذي ينمو باطراد؟